لكل فلسطيني قصته مع الاستيطان ومآسيه، لكن حجم المعاناة يتفاوت من شخص لآخر حسب قربه وبعده عن المستوطنين، وقصة المواطن صبري غريب (70 عاما) تعكس أشد أشكال المآسي التي يعيشها المواطنون بفعل الاستيطان وتوسعاته المتواصل.
لم يكن الحاج صبري يتوقع أن وجوده على مشارف القدس المحتلة سيقوده إلى حبسه بمنزله داخل قفص بمخرج واحد، تحيط به منازل المستوطنين وكاميرات المراقبة والجدران الإسمنتية والأسلاك الشائكة، لكنه مع ذلك يبدو صابرا حتى النفس الأخير.
بدأت الحكاية عام 1980 عندما استولت سلطات الاحتلال على مساحات واسعة تقدر بنحو 150 دونما من الأراضي التي يملكها غريب في قرية بيت إجزا شمال غرب مدينة القدس المحتلة، وطردت أصحابها وأقامت عليها مستوطنة جفعات حدشاه.
أسلاك وكاميرات
تعددت أشكال المعاناة في معركة الكهل الفلسطيني، فقد تعرض لإطلاق النار والضرب على أيدي جنود الاحتلال والمستوطنين، لكنه صبر واحتسب وقاوم الاعتداءات حتى لا يسجل عليه أنه باع أرضه لليهود، ويكون بذلك نموذجا يحتذى فيه في مسيرة المقاومة للشعب الفلسطيني.
|
كاميرا لمراقبة تحركات الحاج صبري (الجزيرة نت)
|
بعد مصادرة الأرض، خاض الحاج صبري معركة البقاء بمنزله المشيد أوائل سبعينيات القرن الماضي، وبالتوازي خاض معركة أخرى بأورقة القضاء الإسرائيلي أثمرت في النهاية عن السماح بوجوده لكن بشروط.
لم يرق للاحتلال هذا البقاء، فحولت المنزل إلى قفص تحيط به الأسلاك الكهربائية والشائكة والجدران الإسمنتية، وأغلق المدخل الوحيد الذي يربطه بالقرية ببوابة حديدية وزرع فيها كاميرات المراقبة.
لا يطيق الكهل الفلسطيني مشاهدة جيرانه أو الحديث مهم، وصبر كثيرا على مضايقاتهم واستفزازاتهم وتوسعاتهم، لكن قيمه وعقيدته ومحبته لتراب وطنه تفرض عليه الصمود وتحدي الجدران الاصطناعية حتى النهاية.
فشل إجراءات الاحتلال واستفزازاته في ترحيل الحاج صبري وزوجته، دفعتهم إلى مساومته بالمال، لكنها وجدا رأسا عنيدا لا يقبل أن يسجل عليه التاريخ أنه باع أرضه، فقد فاوضه يهودي من أصل عراقي يتقن العربية على بيع المنزل مقابل عشرة ملايين دولار ثم مقابل ما يطلبه من مال فرفض.
وكانت الإجابة عن المساومات دائما جاهزة "لو عرضت إسرائيل كل مالها في الداخل والخارج مقابل التنازل عن ذرة من التراب فلن أقبل.. هذه الأرض ليست ملكي وإنما ملك الله وأرض الإسراء والمعراج وأرض المحشر والمنشر".