ثلاثون عاماً على ثورة الأرض ما زالت الأرض عطشى
ثلاثون عاماً مرت على يوم الأرض، يوم ثار أهلنا على تعسف الغرباء الذين
جاؤوا من أربع جهات الأرض ليسرقوا خبزنا وملحنا وماءنا وترابنا..
ثار شعبنا السجين على الجلاد، وثارت المعاصم على القيود، وطارت العصافير
من الحناجر إلى فضاءات الشهادة والحرية، وما زالت الأرض تطلب المزيد، وهي
تستحقه..
لم يرمز شهداء الثلاثين من آذار 1976 إلى يوم الأرض
لأنهم الوحيدون، بل لاتصالهم المباشر بالمناسبة، فكانت المناسبة وشهداؤها
تكثيفاً نموذجياً للمؤامرة الصهيونية، بدءاً من الاستيطان ثم الاحتلال، ثم
مصادرتها تحت اسم ((حراسة أملاك الغائبين)).
كل شهيد في فلسطين
يرمز بشكل أو بآخر إلى التمسك بالأرض، وإلى أهمية الأرض، وهو بالتأكيد روى
هذه الأرض بدمه.. حتى لو استشهد في الشتات.
وفي الذكرى
الثلاثين ليوم الأرض وشهدائها الستة، يوم انعتقت جماهير الأرض المحتلة من
نفسية النكبة ومجازرها والنكسة وتوابعها، إلى نفسية المقاومة والممانعة
والتصدي والعصيان على دولة الاحتلال.. كان العصيان والتصدي في ذلك اليوم
إيذاناً بانبلاج فجر جديد يرفض تكرار مجازر كفرقاسم وغيرها، ويرفض السكوت
على الظلم ولو كلفه ذلك الشهداء تلو الشهداء..
وكان يوم الأرض
هذا، إيذاناً جديداً باشتعال جذوة التواصل الشعبي والجماهيري بين الداخل
والخارج، وبالتالي التواصل الثقافي، هذا التواصل الذي كان شبه مقطوع
سياسياً وإعلامياً وثقافياً، فكان مرشحو الكنيست من العرب ينضوون في أحزاب
صهيونية، وكانت صحف الداخل منقطعة عن الخارج انقطاعاً مذهلاً، وكانت
الثقافة العربية في فلسطين تهرّب تهريباً إلى الخارج، فكان كتاب غسان
كنفاني عن شعر المقاومة تحت الاحتلال فتحاً من الفتوح الثقافية التي لحقها
خروج الدواوين والشعراء من الداخل إلى الشتات.
صارت مواجهة
مشروع الدولة اليهودي هدفاً لدى فلسطينيي الداخل، وتكرست الشخصية
الفلسطينية في مواجهة الأسرلة، وصارت المقاومة المسلحة خياراً مقبولاً
لديهم.
وسمعنا، أخيراً، بأصوات تعلو من وراء الأسلاك، تصرخ:
أناديكم
أشد على أياديكم
وأبوس الأرض
تحت نعالكم
وأقول: أفديكم
وقرأنا
(باقون باقون )
ما بقي الزعتر والزيتون
وعرفنا عن كثب، سميح القاسم، محمود درويش، توفيق زياد، راشد حسين وغيرهم..
ومنذ يوم الأرض، تبدلت الأرض، وليست فقط شعباً رافع الرأس:
منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتون
وعلى كتفي نعشي
وسجل يومها ((الباشكاتب)) الصهيوني قول محمود درويش:
سجل أنا عربي
ورقم بطاقتي خمسون ألف
ولي أطفال ثمانية
وتاسعهم سيأتي بعد صيف
وفي يوم الأرض غنى درويش:
العصافير مدت مناقيرها في اتجاه
النشيد وقلبي
أنا الأرض والأرض أنت
خديجة! لا تغلقي الباب
لا تدخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم من هواء الجليل
نعم سنطردهم، فما زالت الأرض عطشى، وما زالت الدماء تغلي في العروق، ولن
يبخل الفلسطيني على أرضه بالبذور (الشهداء) ولا بالسقاية (الدم)، وسوف
تنبت الأرض لنا أقمراً ونجوماً وأقواس قزح..
وسوف تعود، لأن العودة قدَر، ونحن نؤمن بالقدر..